مضى من وقت إدارة ترامب ما يكفي، لنعرف الطريقة التي تجري بها الأحداث، حين يصبح موظف كبير في الإدارة على خلاف مع الرئيس. فالتسلسل يمضي كالآتي. أولا: يسأل ترامب المحيطين معه عن رأيهم في هذا المسؤول. ثانياً: تظهر تقارير صحفية حول عدم رضا ترامب عن المسؤول. ثالثاً: تتضمن التقارير الصحفية شواهد على تهكم ترامب من المسؤول. رابعاً: ينكر ترامب كل شيء قائلاً: إنها أنباء زائفة. خامساً: يقيل ترامب المسؤولَ المعني.
وللإنصاف، أحياناً لا تمضي الأمور وفق هذا التسلسل. فهناك موظفون، مثل جاري كوهن ودون مكجاهن، أثاروا غضب الرئيس لكنهم غادروا من تلقاء أنفسهم. والشيء نفسه يصدق على نيكي هيلي. وأحياناً تكون الفجوة بين الخطوة الرابعة والخامسة طويلة وصعبة. فقد ظل جون كيلي على خلاف مع ترامب لفترة طويلة في منصبه، قبل أن يغادره في ديسمبر الماضي.
وهذا ينقلنا إلى مستشار الأمن القومي جون بولتون. فقد انتشرت منذ فترة تقارير تتحدث عن عدم رضى ترامب عليه. فمع هيمنة بولتون على عملية اتخاذ القرار بشأن الأمن القومي، تصاعد الاستياء وسط كبار مسؤولي السياسة الآخرين. وهناك قصص عن شقاق بين بولتون ووزير الخارجية بومبيو. وبعد العملية الفاشلة في فنزويلا، ذكر تقرير لـ«واشنطن بوست» أن «استياء الرئيس من مستشار الأمن القومي اتضح جلياً، حيث اشتكى ترامب من أن موقف التدخل يخالف رؤيته الخاصة، بضرورة بقاء الولايات المتحدة بعيدة عن مستنقعات السياسة الخارجية».
وجاء في تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» أن ترامب لا يروقه بولتون. وأضاف التقرير: «بولتون من جانبه عبّر في جلسات خاصة عن خيبة أمله في الرئيس، إذ يعتبره غير راغب في المضي قدماً نحو مزيد من التغيرات المحورية في الشرق الأوسط».
لكني أشك في خروج بولتون من الإدارة لعدة أسباب. أولاً: لأن ترامب سيجد صعوبة في التخلص منه عبر إجراءات ليس منها إقالته. فترامب يحاول في الغالب إحراج مسؤول ما حتى يضطره لمغادرة الإدارة. وهذه الحيلة لن تجدي نفعاً مع مستشار الأمن القومي الحالي. فقد ذكر تقرير «نيويورك تايمز» أن بولتون لا يبالي كثيراً، وهو لا يتوق للحصول على استحسان ترامب، وقد يتغاضى عن أي إساءة تعترض سبيله. فهذه آخر فرصة له في صناعة القرار السياسي. فهو في عمر السبعين، ولن يترك السلطة حتى يخرجه منها شخص ما بالفعل.
ثانياً: القيود على خيارات ترامب أكثر مما قد تبدو عليه للوهلة الأولى. فإذا أقال ترامب بولتون سيكون ثالث مستشار أمن قومي منذ توليه الرئاسة. وهذا ليس مظهراً جيداً لقائد القوات المسلحة الذي يريد أن يظهر به ترامب في انتخابات 2020. وكتب ديفيد أغناتيوس في «واشنطن بوست» مؤخراً أن ترامب «في مسعاه لإعادة انتخابه لا يريد أن يُنظر إليه باعتباره فشل في أي شيء». وهذا يعني أنه لا يريد منغصات سياسية قد يتمخض عنها التخلص من ثالث مستشار للأمن القومي في إدارته.
لذلك أتوقع أن يظل بولتون في منصبه خلال الشهور المقبلة وأنه لن يستقيل، مما يعني أننا سنشاهد على الأرجح انتقادات متبادلة بين الرئيس ومستشاره للأمن القومي خلال ما تبقى من عام 2019.
*أستاذ السياسة الدولية في جامعة تافتس الأميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»